السلم و اللاعنف في الاسلام و امتدادهما في النهضة الحسینیة
الإبهام والتّمويه في مفهوم ( العُنْف)
كما نُلاحظ هذا الإبهام والتّمويه في مفهوم ( العُنْف) حيث تحوّل إلى مجرّد مصطلح فضفاض يستخدمونه حسب أهوائهم ومصالحهم ممّا أدّى إلى خلق جملة من التناقضات الصارخة والغموض الشديد في تفسير هذا المفهوم لدى الكثيرين حيث ألقت هذه المعضلة بظلالها على وعيهم الدينيّ وتفكيرهم الأخلاقيّ فخلقت لدى الذهن العام نوعاً من الشبهات والتناقضات.
كربلاء ُبالأمس نهضةٌ جهاديّة واليوم حركة ٌعنفيّة ٌ
ومصداق لما تقدّم ما نلاحظه اليوم مِن تغيير سريع في مواقف بعض الجهات المنتسبة إلى التيّار الإسلاميّ بتقديم مبادرة مفادها: الدعوة إلى وقف ما تسمّيه بـ(العُنْف) المتمثّل في بعض مصاديقه بالخروج على الحاكم وإنْ كان جائراً وظالماً، وتحريم فكرة مقاومة الجور بحجّة تدارك الوقوع في الفتنة المؤدّية إلى تشرذم الأمّة!.
وحسب تصريحات بعضهم: من أنّه اكتشف! أنّ الخروج على الحاكم في كلّ العصور سبّب تمزيق الأمّة، وبالتالي فإنّ الخروج على الحاكم أيّاً كان محرّم شرعاً! وقد مثّل بعضهم بثوّارٍ- في التأريخ الإسلاميّ- جابهوا الطغيان فسُفكت دماؤهم مع استمرار الحكم الجائر، من قبيل ثورة الإمام الحسين علیه السلام وسليمان بن صرد الخزاعيّ، وزيد بن عليّ (رضي الله عنه).
والمفارقة العجيبة:أنّ هولاء عند- تبنّيهم مواقفهم السابقة- كانوا يؤكّدون على أنّها نابعة من الكتاب والسنّة، والآن يؤكّدون أنّ مواقفهم الجديدة المناقضة لمواقفهم السابقة هي نابعة من الكتاب والسنة أيضاً! .
ما أشبه الليلة بالبارحة !
إنّ فكرة ( حرمة الخروج على الحاكم ولو كان فاسقاً )لم تكن وليدة عصرنا الحاضر، بل لها جذورٌ تأريخيّةٌ وعقائديّةٌ حيث دعا إليها بعض المتزلّفين لحكّام الجور من وعّاظ السلاطين تحت عنوان: (بقاءُ الحاكمِ الظالمِ أحْسَنُ عاقبةً من استخدامِ العُنْف لتغييره )
وعلى هذا الأساس اُنشئت فكرة المرجئة التي تُملي للظالمين ظلمهم وتمدّ لهم حبال الأمل في النجاة، فهي فكرة ترفض الثورة على الحاكم الظالم، وترجئ حسابه إلى يوم القيامة .
إنّ بُناة هذا النوع من الفكر الذي يحرّم الخروج على الحاكم ولو كان ظالماً سعوا إلى لوي عنق النصوص الدينيّة وتحريف معانيها ففسّروها بنحوٍ مغلوط لتثبيت مآربهم، منها قولهم: (إنّ السلطانَ ظلُّ اللهِ في الأرضِ) وغير ذلك من النصوص الواردة في التراث الحديثيّ والتي فسّرت بنحو غير صحيح ممّا جرّ الويلات والمآسي على الاُمّة على امتداد الأحقاب الماضية .
وممّا لا شكّ فيه أنّ هذا التصوّر ناتج عن قصور في الاتّجاه الفكريّ والثقافيّ الذي يبتلى به مَنْ ضعف عنده التأصّلُ الشرعيّ .
وبنظرة فاحصة يمكن الجزم بأنّ ثورة الإمام الحسين× حقّقت جميع أهدافها الرّبانيّة فكشفت زيف بني أميّة، ولولاها لكانت الصورة التي مثّلها الحكم الاُمويّ بكلّ ما تحمل من فساد وظلم وانحراف وإلحاد وتشويه، هي الصورة التي تمثِّل الإسلام في ذهن البشريّة حتّى قيام الساعة.
لكنْ تكفّلت ثورة الإمام الحسين علیه السلام بسلب شرعيّة هذه الصورة المزيّفة وتعريتها للبشريّة جمعاء، واماطة اللِّثام عن واقعها المشوّه، وكشفها على حقيقتها للتأريخ والاُمّم ممّا جعل جميع المذاهب تتبرأ من بني اُميّة وتستنكر انحراف حكمهم الجائر ، حتّى أنّ بعض من يمتلك الحياء ممّن يوافقونهم بالباطن لا يجرؤون على مناصرتهم والدفاع عنهم في الظاهر.
المصدر:کتاب السلم و اللاعنف في الاسلام و امتدادهما في النهضة الحسینیة تألیف سماحة السید قاسم الجلالي