تذييلٌ في بحثِ الإمامةِ
جاءَ في كتابِ بصائرِ الدرجاتِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّد، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَر(عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : (يا أَ يُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِـينَ) ، قَالَ : «إِيَّانَا عَنَى» .
أقولُ : اعلمْ أنَّ التمسّكَ بهذه الآيةِ الشريفةِ لإثباتِ الإمامةِ للمعصومينَ(عليهم السلام)معروفٌ عند الشيعةِ ، وقد ذكرَ ذلكَ المحقّقُ الطوسىُ(رحمه الله) في كتابِ تجريدِ الاعتقادِ . و وجهُ الاستدلالِ بالآيةِ الشريفةِ هو أنّ اللّهَ تعالى أمرَ جميعَ المؤمنينِ بأنْ يكونوا معَ الصادقين ، وليسَ المرادُ أن يكونوا معهم بأجسامهم ، بل المراد هو الالتزام بطريقتهم، واتّباعهم في العقائد قولاً وفعلاً ، وواضح أنّ الله تعالى لا يأمر باتّباع من يعلم بصدور الفسق والمعاصي منه حيث إنّه تعالى قد نهى عن الفسق والمعاصي ، فلابدّ من أن يكون أُولئك معصومين، ولا يصدر منهم الخطأ كي يصحّ إتّباعُهم في جميع الأُمور .
وكذا أجمعت الأُمّة على عموميّة خطابات القرآن الكريم في جميع الأزمنة ، وعليه، فلابدّ من وجود معصوم في جميع الأزمنة حتّى تتحقّق وتصحّ متابعةُ المؤمنينَ للمعصومين .
فإن قيل : إِنَّ الأمرَ باتّباعِ الصادقينَ كان في زمانِ الرسولِ(صلى الله عليه وآله)، وبذلك لا يَلزمُ وجودُ المعصومِ في كلِّ زمان .
الجواب : لابدّ من تعدّدِ الصادقين، أي المعصومين ; لأنّ لفظ الجمع عامّ ، ومع القول بالتعدّد يتعيّن ما يَعتقِدُ به الإماميّةُ; لأنّه لا يُوجدُ مَن يَقولُ بتعدّدِ المعصومين في زمان النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وخلوّ بقيّةِ الأزمنةِ من المعصوم .
وهنا نشير إلى الفرق بين المعصوم وسائر الناس ; ففي عام (1355 هـ ) وعند تشرّفي بزيارة الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام) سألني أحد الأخيار قائلاً : إِنَّ الأئمّةَ والأنبياءَ(عليهم السلام)معصومون من قِبَلِ اللهِ تعالى حيثُ أَعطَاهُم العلمَ ، فهم يَجتَنبون المعاصي بذلك العلمِ، وعليه، فلا فضيلةَ لهم علينا; إذْ لو أَعطانَا الله تعالى ما أَعطاهُم من العلمِ لأن نطيعَ ولا نعصَي، لاََطْعناه وما عَصَيناه .
والجواب : قد تقدّم في أوّل الكتاب، وقلنا : إنّ الله تعالى يفيض الوجود بقدر القابليّات ، والمعصومون ذاتهم قابلة لذلك العلم، ولتلك العصمة ، فلذا أعطاهم ، ومن سواهم ليس له تلك القابليّة .
وقد أثبتنا ـ أيضاً ـ في أوّل الكتاب بأنّ الأصل هو الوجود ، وأنّ الله تعالى هو الفيض الأوّل الذي يفيض الوجود ، وهذا الفيض الإلهي لا ينقطعُ كالسيلِ عندَ جريانه،أو كالغيثِ عندَ هطوله، فإنّه يملأ كلّ حفرة بقدر سعتها ، فإنْ كانت صغيرة فيجتمع فيها القليل من الماء، وإنْ كانت كبيرة فسيجتمع فيها ماءٌ كثيرٌ ، وإذا انقطع في وقت ما فسيجفّ كلُّ شيء .
كذلك الحال في إفاضات الوجود من الفيض المطلق وهوالله تبارك وتعالى .
وقد قلنا : إنّ الماهيّة هي أمرٌ انتزاعىّ، فبما أنّ ذات الأئمّةِ الأطهارِ(عليهم السلام) لها القابليّة، فقد أعطاهم تعالى هذه المرتبةَ العاليةَ ، ونحن ليس لنا مثلُ هذه القابليّة .
المصدر: مصباح الهدی في أصول دین المصطفی تأليف آیة الله السیّد محسن الحسیني الجلالي، ترجمة سماحة العلّامة السیّد قاسم الحسیني الجلالي.