• الموقع : مركز اهل البيت في لندن - سري .
        • القسم الرئيسي : بحوث علمية .
              • القسم الفرعي : البحوث العقائدية .
                    • الموضوع : الأصلُ الثاني: العدلُ  .

الأصلُ الثاني: العدلُ 

مبحثُ العَدْلِ
يُعتبرُ العدلُ الإلهيّ منْ أهّمِ رَكائزِ اُصُولِ الدينِ لدَى الشيعةِ الإمامِيّةِ حيثُ تتَرَتَّبُ عليه سائرُ الأُصولِ من النبوّةِ والإمَامَةِ وَالمعادِ، وتَبْتَني عليه القواعدُ الإسلاميّةُ، بل وحتّى الأحكامِ الشرعيّةِ، وبدونِه لا يَتمّ شىءٌ من الأدْيانِ والشرائعِ، وقدْ عُرِفَ الإمامُ عليّ(عليه السلام) والأئمّةُ من بعدِه(عليه السلام)بالعدلِ حتى قيلَ: «التوحيدُ والعدلُ عَلَويّانِ، والتشبيهُ والجبرُ أُمويّانِ» ومِن هنا انْبَثَقَ مصْطلحُ «العَدْلِيّة».
والعدلُ الإلهيّ هو مُقْتضى صِفاتِ اللّه الذاتيّةِ الجلاليّةِ مِنْها والكماليّةِ والجماليّةِ ، فلا توجدُ في الله تعالى أيّةُ صفة تقتضي الظلمَ والجورَ، فانّ أفعالَ اللّهِ كلَّها عدلٌ ، وعدلَهُ كلَّهُ فضلٌ، ولا يصدرُ منه شيٌء إلاّ وفقَ العدالةِ والحكمَةِ حتّى عذابِهِ للعاصينَ يومَ القيامَةِ فهوَ محْضُ العَدْلِ .
ويَعتقِدُ المسلمون جميعاً بعَدلِ اللّهِ تعالى إلاّ أنّه وقع الاختلاف في تفسير العدلِ الإلهىّ، فوُجِدَت مدرستانِ وهما:

المدرسةُ الأُولى: تَرى أنَّ العقلَ البشرىَّ السليمَ يُدركُ بنفسه حسنَ الأفعالِ وقبحَها، ويَعتبر الفعلَ الحسنَ علامةً على كمالِ فاعلِه، والفعلَ القبيحَ علامةً على نقصانِ فاعلِهِ، وحيث إنّ اللّهَ مُستَجمِعٌ بذاته لجميعِ صفات الكمالِ، لهذا، فإنّ فِعلَه كاملٌ، وذاتَه المقدّسةَ منزّهةٌ عن كلّ فعل قبيح.
وقد تمخّض عن هذه المدرسة مصطلحٌ رائجٌ في علم الكلام يُعرَفُ بمسألة الحسن والقبح العقليّين، ويُسمَّى أصحابُ هذه المدرسةِ بالعدليّةِ، وفي طليعتِهم الشيعةُ الإماميّة الإثنا عشريّة .
وهذا الرأي هو الصوابُ، كما سيتّضحُ منْ خلالِ بيانِ أدّلتِهِ.

المدرسةُ الثانية: ترى أنّ العقلَ البشرىَّ قاصرٌ عن إدراكِ الحسنِ والقبحِ في الأفعال، ولا يمكنُ معرفةُ ذلك إلاّ عن طريقِ الشرعِ، فالحسنُ ما حسّنه الشارعُ، والقبيحُ ما قبّحه الشارعُ.
وعليه، لو أمَرَ اللّهُ تعالى بإلقاء إنسان مطيع في النارِ، أو إدخالِ عاص في الجنّة كان ذلك عينُ الحُسن والعَدلِ.
وهولاء إنّما أثبتوا العدل الإلهيّ; لورود هذا الوصفِ في القرآن الكريم.
وأصحابُ هذه المدرسةِ هم الأشاعرةُ .

أقسامُ العدلِ الإلهيّ
إنّ المتأمّل في القرانِ الكريمِ والسنّةِ الشريفةِ يلاحِظُ بوضوح أنّ العدالةَ في المدرسةِ الإسلاميّة تتفرّعُ إلى فرعينِ أساسيّينِ هما: العدلُ الإلهيّ، والعدلُ البشريّ الذي ينقسمُ إلى العدلِ الفرديّ، و العدلِ الاجتماعيّ، وهو خارجٌ عن موضوعِ بحثِنا .
وأمّا العدلُ الإلهيّ، فينقسمُ إلى الأقسامِ التاليةِ:
1. العدلُ الإلهيّ التكوينيّ: وهو إعطاءُ اللّهِ تعالى في عالمِ التكوينِ كلَّ ذي قابليّة قابليّتَهُ من الوجودِ، وأفاضَ الاستعدادَ للمستعدِّ من الكائناتِ كلٍّ بحسب استعداده وإمكانه .
وهذا مستفاد من جملة من الآيات: منها: قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) ، ومنها: قوله تعالى: (رَبُّنا الَّذِى أَعْطى كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى).

2. العدلُ الإلهيّ التشريعيّ: وهو أنّه تعَالى بَلّغَ البشَريّةَ الأحكامَ والنظمَ الشرعيّةَ التَي فيَها كمَالُ الإنسانِ وسعادتُه ماديّاً ومعنويّاً، دنيويّاً، وأُخرويّاً، وهذا مستفاد من قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً)  .
كما أنّ من مقتضيات العدل الإلهيّ التشريعيّ عدمُ العقاب إلاّ بعد البيان الكافي والحجّةِ التامّةِ ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: (وَما كُنّا مُعَذِّبِـينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، كما أنّ مقتضاه أنّه تعالى لا يُكَلِّف بما لا يُطاق، قال تعالى: (وَلانُـكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها) .

3. العدلُ الإلهيّ الجزائيّ: وهو مجازاةُ الّله تعالى  كلَّ إنسان بما كَسَبَ، فيُثيبُ المحسنَ بالإحسانِ، ويعاقِبُ المُسىءَ بالإساءةِ، كما نطقَ بذلكَ الذكرُ الحكيمُ في قوله تعالى: (وَنَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِـيَوْمِ القِـيامَةِ فَلاتُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَـبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنا بِـها وَكَفى بِنا حاسِـبِينَ) .
والعدلُ الإلهيّ الجزائيّ يقتضي أنْ لا يُعامِلَ البارىُ تعالى المسيءَ كالمحسن، كما قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ المُتَّقِـينَ كَالفُجّارِ)  .

أهمّ الأدلّةِ على عَدْلِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى
أُولاها الأدلّةُ العقليّةُ و هي كما تلي:

الدليلُ الأوّلُ: يَسْتَقِلّ العَقْلُ بالحُكمِ بحسنِ العدْلِ وقبْحِ الظلمِ، وهذا من أحكامِ العقلِ النظريّ الذي هو مِن اللّهِ، وبالتالي فهو تعالى محيطٌ بهذه الأحْكام والقِيَم .
وبعبارة أُخرى: ثَبَتَ أنَّه تَعالى عَالِمٌ، وَذَلكَ يقتضي عِلْمَهُ بقُبحِ القبيحِ، كما ثبتَ أنّه تعالى غنيّ ممّا يقتضي استغناءَه عَن فعلِ القبيحِ، فيستحيلُ عليه الظلمُ .

الدليلُ الثاني: اتَّفَقَ المُتَكَلِّمونَ على ثُبُوتِ القُدْرَةِ لَهُ تَعالى ، وهذا يوجبُ بالضرورةِ أنْ يكونَ في مقدوره الفعلُ الحسنُ، وبه يستغني عن الفعلِ القبيحِ.

الدليلُ الثالثُ: لوْ جازَ عليْه القبيحُ لامتنعَ تصديقُهُ، تَعالى عَنْ ذلكَ علوّاً كبيراً، فلا يمكنُ إثبات النبوّاتِ ولا المعادِ، ولا الثوابِ ولا العقاب; إذْ لا يمكنُ الجزمُ بصحّةِ إخباراتِهِ، واللازمُ باطلٌ إجماعاً ، فيثبتُ كونُه تعالى عادلاً يستحيل عليه فعلُ القبيحِ .

وثانيتها: الأدلّةُ النقلّيةُ وهي أيضاً كما تلي:

أوّلاً: العدلُ في القرآنِ الكريمِ
وَصَفَ الذكرُ الحكيمُ اللهَ تعالى بالعدلِ، ونزَّهَه عن الظلمِ بجميع أقسامه في كثير من آياتِ القرانِ الكريمِ، نذكرُ بعضَها:
الآية الأُولى : قوله تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَ نَّهُ لا إِلـهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلـهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الحَـكِـيمُ).
الآية الثانية : قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ وَالمِـيزانَ لِـيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ).
الآية الثالثة : قال سبحانه: (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَـنْطِقُ بِالْحَـقِّ وَهُـمْ لا يُـظْلَمُونَ).
الآية الرّابعة : قال سبحانه: (ذ لِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّم لِلْعَبِـيدِ).
الآية الخامسة : قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة).
الآية السادسة : قال سبحانه: (فَما كانَ اللّهُ لِـيَظْلِمَـهُمْ وَلـكِنْ كانُوا أَنْفُسَـهُمْ يَظْلِمُونَ).
الآية السابعة : قال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئَاً وَلـكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
الآية الثامنة : قال سبحانه: (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلـكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِمِـينَ).
الآية التاسعة : قال سبحانه: (وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ).
الآية العاشرة : قال سبحانه: (وَما رَبُّكَ بِظَـلاّم لِلْعَبِيدِ).

ثانياً: العدلُ في السنّةِ الشريفَةِ
تظافَرَت الرواياتُ عن الرسولِ الأكرمِ(صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيتهِ(عليه السلام) في تَثبيتِ أصلِ العَدلِ الإلهيّ وتركيزه، وإليك بعض ما أثر في ذلك:
1. عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَاد، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَاب، عَنْ أَبِي عُبَيْدَة الْحَذَّاءِ، عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاختَةَ; قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ ابْنَ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)يُحَدِّثُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله)قَالَ: «حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب(عليه السلام)يُحَدِّثُ النَّاسَ، قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النَّاسَ مِنْ حُفَرِهِمْ عُزْلاً بُهْماً جُرْداً مُرْداً فِي صَعِيد وَاحِد، يَسُوقُهُمُ النُّورُ، وَتَجْمَعُهُمُ الظُّلْمَةُ حَتَّى يَقِفُوا عَلَى عَقَبَةِ الْمَحْشَرِ، فَيَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ يَزْدَحِمُونَ دُونَهَا، فَيُمْنَعُونَ مِنَ الْمُضِيِّ، فَتَشْتَدُّ أَنْفَاسُهُمْ، وَ يَكْثُرُ عَرَقُهُمْ، وَ تَضِيقُ بِهِمْ أُمُورُهُمْ، وَيَشْتَدُّ ضَجِيجُهُمْ، وَ تَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ، قَالَ: وَ هُوَ أَوَّلُ هَوْل مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فِي ظِلاَل مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَيَأْمُرُ مَلَكاً مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَيُنَادِي فِيهِمْ، يَا مَعْشَرَ الْخَلاَئِقِ، أَنْصِتُوا وَ اسْتَمِعُوا مُنَادِيَ الْجَبَّارِ، قَالَ: فَيَسْمَعُ آخِرُهُمْ كَمَا يَسْمَعُ أَوَّلُهُمْ، قَالَ: فَتَنْكَسِرُ أَصْوَاتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَ تَخْشَعُ أَبْصَارُهُمْ، وَ تَضْطَرِبُ فَرَائِصُهُمْ، وَ تَفْزَعُ قُلُوبُهُمْ، وَ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ إِلَى نَاحِيَةِ الصَّوْتِ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: هذا يَوْمٌ عَسِرٌ، قَالَ: فَيُشْرِفُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَ جَلَّ الْحَكَمُ الْعَدْلُ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ: أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لاَ يَجُورُ، الْيَوْمَ أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِعَدْلِي وَ قِسْطِي لاَ يُظْلَمُ الْيَوْمَ عِنْدِي أَحَدٌ، الْيَوْمَ آخُذُ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ بِحَقِّهِ، وَ لِصَاحِبِ الْمَظْلِمَةِ بِالْمَظْلِمَةِ بِالْقِصَاصِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَ أُثِيبُ عَلَى الْهِبَاتِ، وَ لاَ يَجُوزُ هَذِهِ الْعَقَبَةَ الْيَوْمَ عِنْدِي ظَالِمٌ،وَ لاَِحَد عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ إِلاَّ مَظْلِمَةً يَهَبُهَا صَاحِبُهَا، وَ أُثِيبُهُ عَلَيْهَا، وَ آخُذُ لَهُ بِهَا عَنْهُ .

2. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الزَّاهِدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ بِإِسْنَاد رَفَعَهُ إِلَى الصَّادِقِ(عليه السلام)، أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ أَسَاسَ الدِّينِ التَّوْحِيدُ وَ الْعَدْلُ، وَ عِلْمَهُ كَثِيرٌ وَلاَبُدَّ لِعَاقِل مِنْهُ، فَاذْكُرْ مَا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَ يَتَهَيَّأُ حِفْظُهُ، فَقَالَ: أَمَّا التَّوْحِيدُ، فَأَنْ لاَ تُجَوِّزَ عَلَى رَبِّكَ مَا جَازَ عَلَيْكَ، وَ أَمَّا الْعَدْلُ، فَأَنْ لاَ تَنْسُبَ إِلَى خَالِقِكَ مَا لاَمَكَ عَلَيْهِ».

3. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام)في خُطْبَة لَهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لاَ تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ، وَ لاَ تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ، وَ لاَ تَرَاهُ النَّوَاظِرُ، وَ لاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ، وَ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ، وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ، الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ، وَ ارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ، وَ قَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ، وَ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ، مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الاَْشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ، وَ بِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَ بِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ، وَاحِدٌ لاَ بِعَدَد، وَ دَائِمٌ لاَ بِأَمَد، وَقَائِمٌ لاَ بِعَمَد، تَتَلَقَّاهُ الاَْذْهَانُ لاَ بِمُشَاعَرَة، وَ تَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لاَ بِمُحَاضَرَة، لَمْ تُحِطْ بِهِ الاَْوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا، وَ بِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا، وَ إِلَيْهَا حَاكَمَهَا، لَيْسَ بِذِي كِبَر امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً، وَ لاَ بِذِي عِظَم تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً، بَلْ كَبُرَ شَأْناً، وَ عَظُمَ سُلْطَاناً  ».

4. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام)في خُطْبَة لَهُ: «جَعَلَ اللَّهُ الْعَدْلَ قِوَاماً لِلاَْنَامِ، وَ تَنْزِيهاً مِنَ الْمَظَالِمِ وَ الاْثَامِ، وَ تَسْنِيَةً لِلاِْسْلاَمِ ».

5. سُئِلَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام)عَنِ التَّوْحِيدِ وَ الْعَدْلِ فَقَالَ: «التَّوْحِيدُ أَنْ لاَ تَتَوَهَّمَهُ، وَ الْعَدْلُ أَنْ لاَ تَتَّهِمَهُ ».

6. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ نُعَيْم الصَّحَّافِ، قَالَ: قُلْتُ لاَِبِي عَبْدِ اللَّهِ(عليه السلام): لِمَ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِناً قَدْ ثَبَتَ لَهُ الاِْيمَانُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَنْقُلُهُ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الاِْيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ ؟ قَالَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الْعَدْلُ إِنَّمَا دَعَا الْعِبَادَ إِلَى الاِْيمَانِ بِهِ لاَ إِلَى الْكُفْرِ، وَ لاَ يَدْعُو أَحَداً إِلَى الْكُفْرِ بِهِ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الاِْيمَانُ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَنْقُلْهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الاِْيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ» .

7. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام)في خُطْبَة لَهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَ لَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ، وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِل: (إِنَّ فِى ذلِكَ لاَيات وَ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) .

8. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام): «الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ، وَ آلاَئِهِ الْعِظَامِ، الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا، وَ عَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى، وَعَلِمَ مَايَمْضِي وَمَا مَضَى، مُبْتَدِعِ الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ، وَ مُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ بِلاَ اقْتِدَاء، وَ لاَ تَعْلِيم، وَ لاَ احْتِذَاء لِمِثَالِ صَانِع حَكِيم، وَ لاَ إِصَابَةِ خَطَإ، وَ لاَ حَضْرَةِ مَلاَ» .

9. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام): «أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَ حِكْمَةٌ، وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحْمَةُ، يَقْضِي بِعِلْم، وَ يَعْفُو بِحِلْم» .

10. قَالَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ(عليه السلام): «مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَ لاَ اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الاُْمُورِ وَ تَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلاَلَةٌ، وَ لاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَ فِيهِمْ عِلْمُهُ، وَ أَحْصَاهُمْ عَدُّهُ، وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ، وَالتَّعَدُّدِ الْكَثِيرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُول، وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوّ، اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي لِسَاناً فِيمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ، وَ لاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَد سِوَاكَ، وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ، وَ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ، وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الاْدَمِيِّينَ، وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ» .

فلسفة الشرور والآفات والمصائب والآلام
من أهمّ مباحثِ العدلِ مسألة الشرور والآفات والمصائبِ والآلامِ التي احتلّتْ مساحةً واسعةً من الفكرِ البشريّ قديماً وحديثاً; إذْ لا شكَّ في أنَّه تعالى عادلٌ لايظلمُ مثقالَ ذرّة،فلماذا وجدتْ المصائبُ والشرورُ في العالمِ، كالزلازلِ، والسيولِ،والطوفاناتِ؟ ولماذا هذا التفاوت بينَ أبناءِ البشرِ من حيثِ القابليّات ؟
لذا اعتبر المادّيّون والملحدون وجودَ الشرورِ في العالم  من أدلّة نفي وجود خالق هذا الكون; زاعمين أنّه لو كان هناك خالقٌ للزم أنْ يعمّ الكونَ الخيرُ المطلق، ولا يوجد فيه شرٌّ إطلاقاً .

تاريخُ الشبهة
لقدْ شغلت شبهة «وجود الشرور والآفات» الفكرَ البشرىّ  منذُ القدم حيث سُئل الأنبياءُ عنها فقدموا أجوبةً شافيةً، كما يلاحظ من الآيات القرآنيّةِ الكريمةِ، والسنّة النبويّة الشريفة ، من هنا تضمحلّ  مزاعمُ  فلاسفة الغرب الذين يصرّون على أنَّ أوّلَ مَنْ طرح هذه الشبهة هو الفيلسوف ديفيد هيوم (1776 - 1711 م).
وهذاتوهّمٌ باطلٌ، فإنّها كانت مطروحة بين القدامى من فلاسفة الإِغريق حيث حاول أرسطو معالجتها بتقسيم الموجودات على أساس الخير والشرّ، كما سيأتي، كما أنّ المتأخّرين من فلاسفة الإِسلام بحثوا المسألة من جوانب عديدة، كالشيخ ابن سينا في مختلف كتبه، و الفيلسوف الإسلامي، صدرالدين الشيرازي (979 ـ 1050 هـ ) في كتابه الأسفار الأربعة تطرّق لقضيّة الشرور في ثمانية فصول،كمابحث عنهاالحكيم السبزوارىّ في قسم الفلسفة من شرح المنظومة، كما أنّ المسألة استقطبت اهتمام بعض الديانات:
فالديانة الزرادشتيّة التزمت بالاثنينيّة; هروباً من هذه الشبهة، وعلى أساسها جعلوا للخير إلهاً حكيماً، كما جعلوا للشرّ إلهاً سمّوه «أهرمن» ، ويزعمون أنّه سوف يقضي عليه  إله الخير في النهاية .
والديانة المسيحيّة أرجعت الشرور إلى  الخطيئة الأولى التي ارتكبها أبو البشر آدم(عليه السلام)، وقد ورث بنو آدم عن أبيهم الخطيئة مع تبعاتها .

تقسيم أرسطو الموجودَ من ناحية الخير والشرّ
يرى أرسطو طاليس (384 ـ 447 ق . م) أنَّ الموجوداتِ الممكنةَ بالقسمة العقليّة في بادئ الاحتمال تنقسم إلى خمسةِ أقسام:
القسمِ الأوّلِ: ما هو خير مطلق لا شرّ فيه.
القسمِ الثاني: ما كان فيه خير كثير وشرّ قليل.
القسمِ الثالثِ: ما يتساوى فيه الخير والشرّ.
القسمِ الرّابعِ: ما كان فيه شرّ كثير وخيرٌ قليل.
القسمِ الخامسِ: ما هو شرّ مطلق لا خير فيه.
ويرى أرسطو بأنّ الأقسام الثلاثةَ الأخيرةَ ممتنعة الوجود، فيعود تقسيم الموجودِ إلى قسمينِ.
القسمِ الأوّلِ: ما هو خير مطلق لا شرّ فيه، كوجود الملائكة.
القسمِ الثاني: الموجود الذي في وجوده خير كثير، ولكن قد يكون فيه بعض الشرّ القليل، كوجود الإنسان.
والقسم الذي فيه خير كثير يلزمه شرّ قليل يجب وجوده; لأنّ تركه لأجل شرّه القليل ترك الخير الكثيرَ، وترك الخيرِ الكثيرِ شرٌّ كثير، فلم يجز تركه، فيجب إيجاده عن فاعل الخيرات ومبدأ الكمالات، ومثال هذا القسم الموجودات الطبيعيّة التي لا يمكن وجودها على كمالها اللائق بها إلاّ وقد يعرض لها بحسب المصادمات الاتفاقيّة منعُ غيرها عن كمالاتها، أو محق الكمالات عن غيرها، كالنار التي كمالها في قوّه الحرارة والإحراق، وبها تحصل المصالح العظيمة، والمنافع الكثيرة،لكن قد يعرض لها إحراق بيت ولىّ، وثياب نبىّ، وكذا الماء الذي كماله في البرودة والرطوبة والسيلان وقد يعرض له إغراق بلاد وهلاك عباد، وكذلك الأرض والهواء، والمطر والسحاب وغير ذلك .

تقسيم ابن سينا الشرور إلى مطلق وجزئي
قسّم ابن سينا (370 ـ 428هـ ) الشرور إلى  قسمين : شرٍّ مطلق، وشرٍّ جزئيّ، ويرى أنّ  الشرّ المطلق لا وجود له إطلاقاً، وأمّا الشرّ الجزئيّ، فهو الذي يمكن أنّ يدخل في القضاء الإلهىّ دخولاً عرضيّاً لا ذاتيّاً، بمعنى أنّ تحصيل الخير الكليّ لا يعقل أن يستقيم إلاّ إذا رافقه في بعض جوانبه وحالاته  شرّ جزئيّ، ولا يعقل أن يتخلّى الإنسان عن تحصيل الخير الكلّي; للتخلّص من الشرّ الجزئيّ العارض لهذا الخير، وذلك كالنار، فإنّ الكون إنّما يستقيم أمره مع وجود ها، ولن يستفاد منها إلاّ مع قابليتها للإحراق والتسخين مّما قد تسبّب حصول الشرور، وإن كان الأمر الدائم والأكثر حصول الخير منها.
وأمّا الشرور الحاصلة في خلق الإنسان  كالعاهات ، والأمراض، وغيرها، فيرى ابن سينا أنّها ليست عائدة إلى الفاعل ( وهو الّله تعالى )  بل لقصور في المحلّ والقابل. 

التحليل الفلسفىّ للشرور
إنّ الفلاسفة الإسلاميّين اعتبروا «الشرور» ظاهرةً نسبيّةً طارئةً على عالم الكون، وليست هي أمر حقيقيّ ثابت فيه.
وبعبارة أخرى: إنّ اللّه تعالى لم يخلق الشرّ إطلاقاً، وإنّما الشرَّ أمر نسبىّ وليس حقيقيّاً، فما هو شرّ من جهة  قد يكون خيراً من جهة أخرى، فالاصل في كلّ الأشياء أنّها خير، نعم  ينشأ الشرّ  بالعرض من خلال تزاحم المصالح  بين الموجودات.
بيان ذلك أنّ المطر من أعظم النعم على البشر، لكنّه عندما يهطل على البيوت الطينيّة ويخربها يتصوّر الإنسان أنّ ذلك المطر شرّ في حين أنّ هذا الشرّ ليس مخلوقاً من قبل اللّه تعالى، بل حصل من عدم قدرة البيوت الطينيّة على تحمّله.
وبذلك اتّضح أنّ مخلوقاتِ اللّهِ تعالى كلَّها خير مطلق، فما خلق اللّه تعالى الشرّ إطلاقاً، وإنّما الشرّ أمر عرضيّ ونسبيّ.

التحليل التربوىّ للشرور
ذكر القران الكريم والسنّة الشريفة  تفاسيرَ عدّة للمصائب والآلام في حياة الإنسان تشترك كلّها في صياغة شخصيّة الإنسان صياغةً تربويّةً، وأخلاقيّةً متكاملةً.
وفيما يلي نذكر بعض تلك التفاسير  التي تبيّن فوائد وجود المصائب والآفات في حياة الإنسان:

1. المصائب والآفات امتحان واختبار
إنّ اللَّه تعالى يَختبِر في الدنيا  الناسَ بالخيرِ وبالشرِّ ليَجزي الصابرينَ والعامِلينَ، يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّـرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) .
ويقول تعالى: (أَحـَسِبَ النّاسُ أَنْ يُـتْرَكُوا أَنْ يَـقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُـفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِـهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ) .
وَ عَنِ الصَّادِقِ(عليه السلام) قَالَ: «مَرِضَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) فَعَادَهُ قَوْمٌ، فَقَالُوا لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَقَالَ :أَصْبَحْتُ بِشَرّ. فَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَلاَمُ مِثْلِكَ ؟ ! فَقَالَ(عليه السلام): يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إلَيْنا تُرْجَعُونَ) فَالْخَيْرُ الصِّحَّةُ وَ الْغِنَى، وَ الشَّرُّ الْمَرَضُ وَ الْفَقْرُ ابْتِلاَءً وَ اخْتِبَاراً». 
رَوَىَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوب، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام)قَالَ: «إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيّ(عليه السلام): إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاَءً النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْوَصِيُّونَ، ثُمَّ الاَْمْثَلُ فَالاَْمْثَلُ، وَ إِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ، فَمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَ حَسُنَ عَمَلُهُ اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِن، وَ لاَ عُقُوبَةً لِكَافِر، وَ مَنْ سَخُفَ دِينُهُ وَ ضَعُفَ عَمَلُهُ قَلَّ بَلاَؤُهُ، وَ أَنَّ الْبَلاَءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الاَْرْضِ» .

2. المصائب والآفات تُفعّل قابليّات الإنسان
خلقَ اللّهُ في الإنسان قابليّات هائلةً، واستعدادات عظيمةً كامنةً في ذاته لا تُبرِزُها إلاّ الحاجةُ الناتجةُ من شعور الإنسان بالنقص عند حصول المصائب والآفات.
فإذا أصيب الإنسان بآفة أو مصيبة أو ألم فسوف يُبرزُ تلك القابلياتِ، ويُظهر تلك الاستعداداتِ ويُحرّك طاقاتهِ الكامنة لسدّ النقص، ورفع الألم، فأصبحت تلك المصائب مصدرَ قوّة وغلبة.
قال الإِمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام): «ألا إِنَّ الشَّجرَةَ البَرّيّة أَصْلَبُ عُوداً، و الرَّوائِعَ الخَضِرَةَ أرَقُّ جُلوداً، و النباتاتِ البَدَويَّة أَقوى وَقُوداً، و أَبطَأُ خُموداً» .

3. المصائب والآفات تطهّر من الذنوب
لا شكّ أنّ اللّه تعالى يُعوِّضُ المؤمنَ على كلِّ ما يبتليه به ، ومن ذلك العوض تطهيرُ الذنوبِ.
يَقولُ الإمامُ الكاظمُ(عليه السلام): «لِلَّهِ فِي السَّرَّاءِ نِعْمَةُ التَّفَضُّلِ، وَ فِي الضَّرَّاءِ نِعْمَةُ التَّطَهُّرِ» .
وَرَوى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِم، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ(عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله): السُّقْمُ يَمْحُو الذُّنُوبَ، وَ قَالَ(صلى الله عليه وآله): سَاعَاتُ الْوَجَعِ يُذْهِبْنَ سَاعَاتِ الْخَطَايَا، وَ قَالَ(صلى الله عليه وآله): سَاعَاتُ الْهُمُومِ سَاعَاتُ الْكَفَّارَاتِ، وَ لاَ يَزَالُ الْهَمُّ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَدَعَهُ وَ مَا لَهُ مِنْ ذَنْب» .
و قال أيضاً(صلى الله عليه وآله): «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَب وَ لاَ نَصَب وَ لاَ سَقَم وَ لاَ أَذًى وَ لاَ حَزَن وَ لاَ هَمّ حَتَّى الْهَمِّ يُهِمُّهُ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ خَطَايَاهُ، وَ مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ غِنًى مُطْغِياً، أَوْ فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَماً مُنْقِداً، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً»  وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَاد، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّد(عليه السلام) يَقُولُ: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ كُلُّ بَدَن لاَ يُصَابُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً»، قُلْتُ :مَلْعُونٌ ؟ قَالَ: «مَلْعُونٌ».
 فَلَمَّا رَأَى عِظَمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قَالَ: «يَا يُونُسُ، إِنَّ مِنَ الْبَلِيَّةِ الْخَدْشَةَ وَ اللَّطْمَةَ وَ الْعَثْرَةَ وَ النَّكْبَةَ وَ الْقَفْزَةَ وَ انْقِطَاعَ الشَّسْعِ وَ أَشْبَاهَ ذَلِكَ، يَا يُونُسُ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَمُرَّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ لاَ يُمَحِّصُ فِيهَا ذُنُوبَهُ، وَ لَوْ بِغَمّ يُصِيبُهُ لاَ يَدْرِي مَا وَجْهُهُ، وَ اللَّهِ ! إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَضَعُ الدِّرْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَزِنُهَا فَيَجِدُهَا نَاقِصَةً فَيَغْتَمُّ بِذَلِكَ، فَيَجِدُهَا سَوَاءً فَيَكُونُ ذَلِكَ حَطّاً لِبَعْضِ ذُنُوبِهِ» .

4. المصائب والآفات تنبيه ربانىّ  وجرس إلهيّ لتذكير الغافلين
كما أنّ وجودَ الألمِ في جسمِ الإنسانِ يُعتَبرُ طبيّاً موشِراً على الإصابة بمرض ما، فيجب المبادرةُ إلى العلاجِ قبلَ استشراءِ المرضِ، كذلك المصائبُ والآفات، فإنّها تنبيه ربانيّ للإنسان، وتذكير الغافلين; لما في البلاءات من العبرِ والمَواعظِ، قال اللّه تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْص مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ).
وقال الإمامُ الصادقُ(عليه السلام): «مَا مِنْ مُؤْمِن إِلاَّ وَ هُوَ يُذَكَّرُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً بِبَلاَء إِمَّا فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، أَوْ فِي نَفْسِهِ فَيُؤْجَرَ عَلَيْهِ، أَوْ هَمّ لاَ يَدْرِي مِنْ أَيْنَ هُوَ» .

5. المصائب و الآفات  سببٌ لبلوغ الكمال الروحىّ
إنّ أعظم آفة يمكن أنّ يتصوّرها الإنسان في حياته هي الموت في حين أنّ الإنسان لايمكنه التخلّص من عالم المادّة لينتقل إلى عالم النعيم والخلود الأبدي إلاّ بواسطة  الموت الذي من خلاله يبلغ أولياءُ اللّهِ أعلى مراتب الكمال.
قال أميرالمؤمنين(عليه السلام): «المَوْتُ أوّلُ عَدْلِ الآخرَة». 
وقال(عليه السلام): «بِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَ بِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الآخِرَةُ، وَبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» .

المصدر: مصباح الهدی في أصول دین المصطفی تأليف آیة الله السیّد محسن الحسیني الجلالي، ترجمة سماحة العلّامة السیّد قاسم الحسیني الجلالي 
 


  • المصدر : http://www.surrey-ic.org/subject.php?id=324
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 05 / 4