ومن جملة الأخبار المحتوية على تلك الجملة ما نقله شيخ الشريعة الأصبهانيّ(قدس سره) عن كتاب دعائم الإسلام، عن أبي عبد اللّه(عليه السلام) : أنّه سُئل عن جدار الرجل، وهو سترة بينه وبين جاره سقط، فامتنع من بنائه، قال(عليه السلام) : ليس يُجبر على ذلك إلاّ أن يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاُخرى بحقّ، أو بشرط في أصل الملك، ولكن يُقال لصاحب المنزل : اُستر على نفسك في حقّك إن شئت.
فقيل له : فإن كان الجدار لم يسقط، ولكنّه هدمه، أو أراد هدمه إضراراً بجاره لغير حاجة منه الى هدمه، قال(عليه السلام) : لا يُترك، وذلك إنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لا ضرر ولا ضِرار، وإن هَدَمهُ كُلِّف أن يَبْنيهُ، الحديث.
وقد استُشكل عليه بما سبق من لزوم جريانه على خِلاف سلطنة المالك التي هي من الأحكام الإرفاقيّة.
مضافاً الى أنّه ما وجه التفصيل بين الموردين؟!
وحلُّ إشكال الرواية يبتني على بيان مقدّمتين :
الأولى : أنّه من المسلّم عدم وجوب حفظ مال الغير وعِرْضِه مطلقاً، ولا نفس الغير من غير الهلاك، وإنّما اللاّزمُ عدمُ تفويت تلك الاُمور، فإتلاف مال الغير ونفسه وهتك عِرْضِه محرّم مطلقاً، فلا حفظ واجب إلاّ في حفظ النفس عن الهلاك.
الثانية: أنّ تصرّف المالك في ماله مباح، إلاّ أن يستلزم الإتلاف الحرام، فإنّه تسري الحرمة اليه حسب ما فُصّل في محلّه.
فحينئذ نقول : إنّ المفروض في مورد الصدر هو الهدم بنفسه، وهو وإن استلزم إنهتاك ستر الجار.
لكن حيث لم يتحقّق من المالك، لم يكن وجه لإجباره على التعمير; لما قلنا في المقدّمة الأولى; نعم لو كان مشترطاً على المالك ـ في ضمن ما يلزمه ـ التعمير، فله الإجبار حَسَبَ الشرط.
وأمّا في مورد الذيل فقد فُرض إهدامَ المالك، أو إرادتُهُ، فهو وإن كان تصرّفاً في ماله ولم يكن حراماً، ولو استلزم إتلاف حقِّ الغير; لأنّ الإتلاف حرام لو استلزم التصرّف في مال الغير كما سيجيئ، لكن في خصوص العِرض يحرم التصرّف المستلزم للهتك، ولو في ماله لو كان بقصد الإضرار والهتك، كما هو مورد ذيل الرواية، فلذا مُنِعَ من الهدم، وأُجْبِر على التعمير لو هدمه بذلك القصد; لممنوعيّته من سلطنته في ماله، وهو الجدار ـ حينئذ ـ .
وهذا عينُ قضيّة سمُرة; لأنّه كان بإعمال حقّه متلفاً لعرض الغير، قاصداً للإضرار، كما يشهد عليه إباؤه عن الإعلام وغيره مما سبق، فلمّا كان حراماً أمر بقلع نخلته ومنعه عن حقّه.
ووجه الإجبار على البناء والتعمير ـ كما في ذيل الحديث ـ : لكونه في كلّ آن متلفاً ـ كذلك ـ بهدمه الى أن يبنيه.
تنبيه :
لمّا صحّحنا التطبيقات المزبورة في الروايات الأربع، من غير لزوم جريانه على خلاف السلطنة والحقّ; بل عُلِمَ أنّ ذكره من باب ذكر. مقتضى السلطنة والحقّ الراجعين الى عدم جواز تفويت الحقّ غير المتعارض، أو الأهمّ من المتزاحمين عِرضاً كان أو غيره، من أنحاء السلطنة والحقوق.
فحينئذ لو لم نتعدّ عن سنخ موارد تطبيقات المعصوم(عليه السلام) لا تثبت قاعدة وراء ما استفيد من أدلّة عدم جواز إتلاف حقّ الغير، فيكون مساوقاً لقاعدة الإتلاف، فكان بياناً لعدم مشروعية الإضرار والإتلاف، إمّا لكونه على غير حق، أو لكونه عن حقّ، له مانع ومزاحم من حقوق أولى بالمراعاة. فلا ربط له ـ حينئذ ـ بالأحكام الضرريّة حتى يدلّ على عدم جعلها لما فيه الضرر.
بخلاف ما لو أخذنا بالإطلاق، وكان نفياً للضرر مُطلقاً، على حسب الموارد.
فبالنسبة الى ما ذكر من موارد الروايات; لأجل عدم مجعوليّة حقّ رأسا، أو غير فعليّ; لأجل المزاحمة، أو لعدم جعل أحكام موجبة للضرر.
فعلى هذا كان مخالفاً لجملة من الحقوق والأحكام، فيأتي ـ حينئذ ـ التكلّم في أنّه هل حاكم على الأدلّة المزبورة، أو مخصصها؟.
وعلى أيِّ التقديرين ذلك في مقام الامتنان حتى لا يُزاحِم الأحكام الإرفاقيّة، أم لا؟.
فعُلِم : أنّ هذه الجهات فوق ثبوت الإطلاق، وإلاّ فهو طَبْعُ قاعدة الإتلاف من غير إستفادة أمر جديد حتى يأتي فيه ذلك.
والأقوى : عدم التعدّي: لعدم إحراز إستفادة أزيد مما ذُكر.
المصدر: کتاب قاعدة لاضرر و لا ضرار
تقرير أبحاث المُحقّق الاُصُوليّ الكَبيرآية اللّه العُظمى الشيخ ضياء الدين العراقيّ(قدس سره)(1278ـ1361هـ ق)
تأليف الفقيه المحقّق آية اللّه السيّد مرتضى الموسويّ الخلخاليّ (1324 ـ اعتقل 1412هـ .ق)
تحقيق وتعليق سماحة العلامة السيد قاسم الحُسينيّ الجلالي
|